# "قائمة الجدل السينمائي": تحليل لأفضل 25 فيلماً مصرياً في ربع قرن الألفية الجديدة
**مقدمة:**
في خطوة أثارت جدلاً
واسعاً في الأوساط الفنية والنقدية المصرية، أصدر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
قائمة تضم أفضل 25 فيلماً من إنتاج السينما المصرية خلال الربع الأول من الألفية
الثالثة (من يناير 2001 وحتى يوليو الماضي). هذه القائمة، التي اعتمدت على تصويت نقاد
متخصصين، لم تمر مرور الكرام، بل أشعلت نقاشات حادة حول معايير الاختيار، والأفلام
المستبعدة، والتغيرات التي طرأت على الصناعة السينمائية في مصر على مدار ما يقرب
من ربع قرن.
![]() |
# "قائمة الجدل السينمائي": تحليل لأفضل 25 فيلماً مصرياً في ربع قرن الألفية الجديدة |
- يأتي هذا الإعلان بعد نحو 28 عاماً من إصدار القائمة الشهيرة لأفضل مئة فيلم
- في تاريخ السينما المصرية، مما يضع
القائمة الجديدة تحت مجهر المقارنة والتحليل الدقيق.
**السياق التاريخي والمنهجية**
تعتبر قوائم الأفلام الأفضل بمثابة سجل تاريخي ومرجع نقدي يعكس الذائقة الفنية والتطورات الثقافية في
أي مجتمع. القائمة الأولى التي صدرت عام 1997، قبل عصر السوشيال ميديا، حظيت بقدر
أقل من الجدل العلني، ربما لأنها غطت حقبة زمنية أوسع (100 عام) وسمحت باختيارات متنوعة
ومتعددة (100 فيلم)، مما قلل من حدة استبعاد الأعمال. أما القائمة الحالية، التي
اقتصرت على 25 فيلماً في فترة زمنية مدتها 23 عاماً تقريباً، فقد جاءت في عصر
تكنولوجي يتيح للجميع التعبير عن آرائهم فوراً، مما فجر النقاشات والتحليلات فور
إعلانها.
- وفقاً للبيان الرسمي لمهرجان القاهرة السينمائي، جاءت القائمة بالشراكة مع الاتحاد الدولي للنقاد
- (فيبريسي) وجمعية نقاد السينما المصريين، احتفالاً بمرور 100 عام على تأسيس الاتحاد. وقد شملت
- الأفلام التي تم التصويت عليها عروض السينما، والقنوات الفضائية، والمنصات الرقمية، لضمان
- تكافؤ الفرص وشمولية الاختيار. تم إرسال استمارات التصويت إلى 86 عضواً بجمعية نقاد السينما
- المصريين، وشارك منهم 63 ناقداً بفعالية. وقد أكد المدير الفني لمهرجان القاهرة، الناقد محمد طارق
- أن هذه النسبة تعكس اهتمام النقاد
بتقديم مرجع نقدي دقيق لهذه الحقبة.
**مفاجآت وتساؤلات حول الاختيارات**
لعل أبرز ما أثار الجدل
هو تصدر فيلم "بحب السيما" للمخرج أسامة فوزي المركز الأول. هذا الفيلم،
الذي صدر عام 2004، كان أحد أكثر الأفلام إثارة للجدل وقت عرضه بسبب موضوعه الذي
ناقش أزمة التزمت الديني في أسرة مسيحية، وتعرض لحملات عنيفة ومواجهات قانونية
لمنع عرضه. حصوله على المركز الأول يطرح تساؤلاً حول قدرة الفن على تحدي الرقابة
وتأثيره العميق الذي قد لا يظهر إلا بعد سنوات.
على النقيض، جاء فيلم "هي فوضى" للمخرج العالمي يوسف شاهين (بالاشتراك مع خالد يوسف) في المركز الأخير. وهو أمر أدهش الكثيرين نظراً للمكانة الكبيرة التي يحظى بها شاهين وأعماله عالمياً.
- من الملاحظات اللافتة أيضاً غياب شبه تام للأفلام الكوميدية، وهي جزء أصيل من تاريخ السينما
- المصرية، وعلى الرغم من رصيد الزعيم عادل إمام الحافل في هذه الفترة، لم يحضر سوى بفيلم
- واحد غير كوميدي. كما غابت عن القائمة العديد من الأفلام التي تم اختيارها لتمثيل مصر في جوائز
- الأوسكار العالمية، مما يفتح باب التساؤل حول التباين بين النظرة
النقدية المحلية والمعايير الدولية.
**الانفصال بين النقد والواقع الاقتصادي والرقابي**
فسرت الناقدة الفنية
خيرية البشلاوي هذا الجدل بالقول إن الأفلام المختارة ليست بالضرورة "بديعة
في المطلق"، ولكنها "الأفضل المتاح" في ظل الإطار الزمني والاقتصادي
الذي يحكم صناعة السينما المصرية. فالموازنات الضخمة اللازمة لإنتاج أعمال فنية
قوية أصبحت نادرة، مما يؤثر على جودة الإنتاج وتنوعه.
- كما أشارت البشلاوي إلى مؤشر خطير يتمثل في الانفصال الدائم بين الهيئات الرقابية وأفكار
- المبدعين. فالأفلام التي تصدرت القائمة، مثل "بحب السيما"، و"مواطن ومخبر وحرامي"، و"رسائل
- البحر"، و"احكي يا شهرزاد"، و"عمارة يعقوبيان"، و"الأبواب المغلقة"، و"جنينة الأسماك"، كلها
- أعمال اتسمت بالجرأة وتحدت المعايير الرقابية الصارمة.
وهذا يشير إلى أن النقاد يميلون لتقدير
الأعمال التي تتناول القضايا الشائكة والمسكوت عنها، حتى لو واجهت صعوبات إنتاجية
أو رقابية. وفي ظل تزايد المحاذير الرقابية حالياً، يصبح إنتاج أفلام بهذا المستوى
من الجرأة أمراً شديد الصعوبة.
**غياب أسماء وأعمال مهمة وتساؤلات حول التنوع**
أثيرت تساؤلات حول عدم
تصنيف الأفلام في قوائم متعددة (كوميدي، تراجيدي، وثائقي، روائي قصير) لإتاحة
الفرصة لأعمال مهمة. كما انتقد البعض عدم تصفية القائمة مبدئياً من الأعمال التي
تعاني فنياً. وأشار محمد طارق إلى أن الهدف كان تمثيل آراء النقاد الحقيقية من
خلال التصويت على جميع الأفلام، وليس فقط تصنيفها.
- ومع ذلك، لا يمكن تجاهل غياب أفلام مثل "السفارة في العمارة"، و"لا مؤاخذة"، و"إسكندرية
- نيويورك"، و"شيخ جاكسون"، و"أسرار البنات"، و"أسماء"، و"ملك وكتابة"، و"بنات وسط البلد"
- التي اعتبرها كثيرون جديرة بالتواجد. كما أن وجود فيلم وثائقي واحد فقط ("أبو زعبل 89") مع
- غياب
الأفلام الروائية القصيرة يثير تساؤلات حول مدى شمولية القائمة لأنواع الإنتاج
السينمائي.
كما أشار البعض إلى
محدودية عدد المصوتين، مقترحين توسيع دائرة المشاركة لتشمل نقاداً فنيين لهم ثقلهم
خارج جمعية النقاد. ورغم أن القائمة تعكس الذائقة الفنية لأعضاء الجمعية، إلا أن
توسيع القاعدة كان سيوفر رؤى أكثر تنوعاً وربما قوائم أكثر شمولية.
**ملامح جيل الألفية وعودة الثمانينيات**
بالمقارنة مع قائمة
المئة فيلم التي سيطرت عليها حقبة الستينيات، تظهر القائمة الجديدة سيطرة واضحة
لجيل الثمانينيات، سواء على مستوى الإخراج أو السيناريو أو التمثيل. فالمخرج يسري
نصرالله حضر بثلاثة أفلام، وداود عبد السيد بفيلمين، ومثلهما لمحمد خان، وجميعهم
يُصنفون من مخرجي جيل الواقعية الجديدة الذين تحظى أعمالهم بإشادات نقدية دائمة.
- على صعيد الكتابة، امتلك المؤلف وحيد حامد ثلاثة أفلام في القائمة. أما على مستوى التمثيل، فقد ظهر
- عادل إمام، وأحمد زكي، ومحمود عبد العزيز بفيلم واحد لكل منهم، بينما خرج نور الشريف كبطل
- مطلق، وظهر اسمه فقط كبطل ثانٍ في "عمارة يعقوبيان". وجدت يسرا في فيلم "معالي الوزير"
- وليلى علوي في "بحب السيما"،
وإلهام شاهين في بطولة جماعية لـ"واحد صفر".
من الملاحظات الإيجابية في القائمة الجديدة حضور المخرجات مثل هالة خليل، وكاملة أبو ذكري، وهالة لطفي، مما يعكس تطوراً في دور المرأة في صناعة السينما. كما لفت الانتباه وجود فيلم "ريش" المثير للجدل، والذي اتُهم بالإساءة لسمعة البلاد، في المركز السابع عشر، مما يشير إلى أن القيمة الفنية تتجاوز أحياناً الجدل المصاحب للعمل.
وشهدت القائمة أيضاً حضور نجوم جيل الألفية مثل أحمد السقا، ومنة شلبي، ومنى زكي، وبسمة، وهند صبري التي امتلكت خمسة أعمال في القائمة، ومن اللافت أن فيلم "أوقات فراغ" جاء متقدماً على أفلام مثل "الجزيرة"، و"أبو زعبل 89"، و"هي فوضى".
**دعوة للنقاش المستمر**
يرى المديرالفنى لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، محمد طارق، أن غياب بعض أعمال نجوم معينين يعكس
طبيعة التنوع في الاهتمامات النقدية، وليس قصوراً في التمثيل. ويؤكد أن القائمة
تهدف إلى فتح نقاش نقدي مستمر، وليست قائمة نهائية ومطلقة.
- ختاماً، دعا طارق الجمهور إلى انتظار إصدار كتاب توثيقي شامل يتضمن تحليلاً نقدياً لهذه الأفلام
- والظواهر الفنية التي مرت بها السينما المصرية في هذه المرحلة، على أن تُنظم جلسة خاصة لمناقشته
- خلال فعاليات الدورة الـ46 للمهرجان، والتي ستقام في الفترة من 12 إلى 21 نوفمبر المقبل. هذه
- الخطوة تؤكد أن الهدف من القائمة هو إثراء الحوار النقدي حول السينما المصرية، وتسليط الضوء
- على أبرز محطاتها في الألفية الجديدة.
**الخلاصة**
تظل "قائمة الجدل
السينمائي" وثيقة مهمة تعكس رؤى نخبة من نقاد السينما المصريين حول أفضل ما
قدمته السينما المحلية خلال ربع قرن. ورغم الجدل الذي أثارته، فإنها تفتح آفاقاً
واسعة للنقاش حول تطور الصناعة، تحدياتها الرقابية والاقتصادية، والذائقة الفنية
المتغيرة. هذه القائمة ليست مجرد ترتيب لأفلام، بل هي مرآة تعكس واقع السينما
المصرية وتطلعاتها المستقبلية.